مصادر العرب قبل الإسلام

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
إبن الراوندي
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 81
اشترك في: الثلاثاء مارس 10, 2020 4:09 pm
Gender:

مصادر العرب قبل الإسلام

مشاركة بواسطة إبن الراوندي »

يجب توضيح مسرح الحياة العربية قبل الإسلام وعلاقاته بما حوله من حضارات، حتى نفهم كيف انتقلت هذه التصورات العلمية إلى العرب رغم غياب العلوم عندهم، لتصبح جزءاً من
خلفيتهم الثقافية ولغتهم، بحيث أن القرآن حين نزل باللغة العربية، استخدم
هذه التصورات الوافدة؛ لكونها أصبحت جزءاً من اللغة. يقول ابن خلدون:
«أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم وإنما غلبت عليهم البداوة والأميّة. وإذا
تشوّقوا إلى معرفة شيء... فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم... فلما أسلموا
بقوا على ما كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها
مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحِدثان والملاحم وأمثال ذلك...وتساهل
المفسرون في مثل ذلك وملأوا كتب التفسير بهذه المنقولات »
وملاحظة أبن خلدون أن أخبار بدء الخليقة ومثلها هو مما لا تعلُّق له بالأحكام
الشرعية، تب إدراكه العميق للفصل بين مهمة الدين ومهمة العلم. فأكد أن ي
الرسول صلى الله عليه وسلم «إنما بعث ليعلمنا الشرائع ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من
العاديات. فقال: أنتم أعلم بأمور دنياكم. » وفي البخاري: «إنَّا أمةٌ أميةٌ، لا
نكتبُ ولا نَحْسُبُ
يقول صاعد الأندلسي في القرن الخامس الهجري أن العرب «لم يكن فيها عالم
مذكور ولا حكيم مشهور باستثناء عِلمٍ واحد كانت تتفاخر به وتباري

به: فعلم لسانها وأحكام لغتها ونظم الأشعار وتأليف الخطب وعلم الأخبار
ومعرفة السير والأمصار ». ومصداق ذلك ما قاله عمر بن الخطاب «كان الشعر
علم قومٍ لم يكن لهم علمٌ أصح منه.
ويذكر صاعد الأندلسي عن الهمداني
قوله: «ليس يوصل إلى خبر من أخبار العجم والعرب إلا بالعرب ومنهم، وذلك
أن من سكن بمكة .. أحاطوا بعلم العرب العاربة والفراعين العاتية وأخبار أهل
الكتاب. وكانوا يدخلون البلاد للتجارة فيعرفون أخبار الناس، وكذلك من سكن
الحيرة وجاوروا الأعاجم من عهد أسعد أبي كرب وبختنصر حووا على الأعاجم
وأخبارهم وأيام حِميَر ومسيرها في البلاد..، وكذلك من وقع بالشام من مشايخ
غسان خبيرٌ بأخبار الروم وبني إسرائيل واليونانيين، ومن وقع بالبحرين من
تنوخ وإياد فعنه أتت أخبار طسم وجديس، ومن وقع بعمان فعنه أتى كثير من
أخبار السند والهند وشيء من أخبار فارس، ومن وقع بجبلي طيء فعنه أتت
أخبار آل أذينة والجرامقة، ومن سكن باليمن فإنه علم أخبار الأمم جميعا.. لأنه
في ظل الملوك السيارة الى الشرق والغرب والجنوب والشمال.. والعرب أصحاب
حفظ ورواية.
وتؤكد المعطيات الأثرية والنقشية المكتشفة في اليمن وفي بعض الجزر اليونانية
على وجود صلات تجارية وحضارية بين اليمن القديم والحضارة اليونانية،
فقد ترك لنا التجار اليمنيون آثاراً تؤكد وصولهم تلك البقاع، وبالذات جزيرة
ديلوس، إذ عُثِر على مذبح نُحِت عليه نقش بخط المسند يقول:حنا وزيد
إل، من عشيرة خذن، تقرباً بمذبح للإله “ود” إله المعينيين بجزيرة ديلوس
اليونانية كما عثر في نفس الجزيرة على نقش آخر لتاجر حضرمي يدعى
“غلمب”. وتحدث المؤرخ الكبير جواد علي في موسوعته عن تاريخ العرب قبل
الإسلام كثيراً عن علاقة العرب بمعارف الحضارات والأديان المجاورة، فذكر
أنه: «وُجِد عند ظهور الإسلام قوم كانوا يكتبون ويقرءون ويطالعون الكتب
بمكة ولهم إلمام بكتب أعجمية، ومن هؤلاء “الأحناف” وقد ذُكر عن بعض أنهم
كانوا يجيدون بعض اللغات الأعجمية، وأنهم وقفوا على كتب اليهود والنصارى
وعلى كتب أخرى.

الجاهليين كانوا قد وقفوا على ترجمة العهدين وهناك أخبار تفيد أن بعض رجال الدين في العراق كانوا قد ترجموا الكتاب المقدس إلى العربية وذلك قبل الإسلام... ولا يستبعد وجود ترجمات للكتاب المقدس في الحيرة، لما عرف عنها من تقدم في الثقافة وفي التعليم لوجود النصارى المتعلمين فيها بكثرة... فلا غرابة اذا ما قام هؤلاء بتفسير الأنجيل وشرحها
للناس للوقوف عليها « » كان العرب في الجاهلية يعرفون الترجمة والتراجيم،
قال الأسود بن يَعفُر يصف حرص أحدهم على الحصول على الخمر:
حتى تناولها صهباء صافية يرشو التجار عليها والتراجيما»
«ومنذ فتوح الإسكندر المقدوني في الشرق في القرن الرابع ق.م انتشرت الثقافة
الهلّينية (اليونانية المتأخرة) في سورية ومصر والعراق وفارس ونشأت المدارس
المختلفة »
ويستطرد جواد علي مطولاً أنه «كان بعض اليهود قد عَلِم كتاب العربية، وكان
تعلّمه الصبيان بالمدينة في الزمن الأول فجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدة
يكتبون... ولا أستبعد تأثر المثقفين الجاهليين ومن كان على اتصال بالعجم

وباليهود والنصارى بالآراء الفلسفية والدينية وبالجدل الذي وقع بين المذاهب
النصرانية في أمور عديدة. فقد خالط الجاهليون، ولا سيما في بلاد العراق وبلاد
الشأم، أقوامًا عديدة ذات ثقافات متباينة، واحتكوا بها، وأخذوا منها، فلا يعقل
ألا يتأثروا ببعض آرائهم في الكون وفي الحياة وفي سائر نواحي التفكير... وقد
ذكر أهل الأخبار أن وهب بن منبه وأخاه كانا يستوردان الكتب القديمة من
بلاد الشأم. ويرد مصطلح “الكتب القديمة” في كتب السير والأخبار. ووهب
بن منبه وأخوه من الإسلاميين، ولكن استيرادهما للكتب لم يكن بدعًا واكتشافًا
منهما، بل لا بد أنه كان قديمًا معروفًا عند الجاهليين… لأن المثقفين وأصحاب
الرأي والعزم كانوا على اتصال بالعالم الخارجي، وكانوا يدارسون الأعاجم
ويأخذون عنهم، وقد درس بعضهم في مدارس الفرس والعراق وبلاد الشأم،
ولغة الدراسة في تلك البلاد السريانية واليونانية والفارسية، فلا يستغرب
أن يكون مِن هؤلاء مَن درس بلغة من هذه اللغات في الحجاز أو في اليمن.
أما في بلاد العراق وبلاد الشأم، فالأمر لا يحتاج فيها إلى نظر، فقد رأينا أن
عربهما أسهموا في الحركة العلمية قبل الإسلام لكنهم أسهموا بلغة السريان، لا
باللغة العربية « [» والسريانيين كانوا قد اقتبسوا من اليونان أجرومية النحو
وأصول الشعر وفلسفة قواعد اللغات بترجماتهم الكتب اليونانية إلى اللغة
السريانية. وأن جماعة من النصارى العرب كانوا يزورون القسطنطينية وبلاد
الشأم ويقرءون الكتب الدينية من آرامية ويونانية للتعلم والتثقف، وهؤلاء
هم الذين تولوا تثقيف أبنائهم العرب وتعليمهم. وأناس من هذا الطراز لا
بد وأن يكونوا قد تأثروا بما تعلموه من اليونان ومن السريانية…وترجموا
الموضوعات الدينية ولا سيما الكتب الدينية إلى الناس لتفقيههم بأمور دينهم…
أما ما قيل له “الأساطير” أو “كتب الأساطير”، فهو كتب قصص وسمرٍ
وحكايات وتواريخ. وتدل التسمية على أنها من أصل يوناني... وهي Istoriya
“استوريا” في اليونانية، و Historia في اللاتينية، وقد أطلقت عندهم على كتب
الأساطير والتأريخ. ويظهر أن الجاهليين قد أخذوها من الروم قبل الإسلام،
واستعملوها بالشكل المذكور وبالمعنى نفسه، أي: في معنى تأريخ وقصص.
ولا أستبعد وجود الكتب التأريخية باليونانية وباللاتينية في مكة، فقد كان في
مكة وفي غير مكة رقيق من الروم، كانوا يتكلمون بلغتهم فيما بينهم وينطقون
بها إذا تلاقوا، كما كانوا يحتفظون بكتبهم المقدسة، وبكتب أخرى مدوّنة
بلغتهم ... وقد مارس التطبيب بين العرب المبشرون، وذلك بعد الميلاد بالطبع،
وأكثرهم من الأعاجم، وكانوا قد درسوا الطب وتعلموه على الطريقة اليونانية
في الغالب، فلما أرسلوا إلى بلاد العرب أو جاءوا هم أنفسهم للتبشير، مارسوا
تطبيب المرضى، وقد شفوا جماعة من سادات القبائل، وأثر شفاؤهم هذا عليهم
فاعتنقوا النصرانية. واشتهر “العباديون” بالتطبيب كذلك ولعل ذلك بعامل
تنصرهم، فقد كان أكثر رجال الدين النصارى يدرسون مختلف العلوم، وفي
جملة ذلك الطب، ومنهم من ترجم كتب العلوم اليونانية إلى السريانية... فما
يزعمه القائلون بعزلة الجاهليين عن بقية العالم هو هراء لا يستند إلى دليل»



منقول من كتاب نقد الإعجاز العلمي لمحمد عطبوش


الجهل يسجنك حتى و إن كنت حرّا أما السعي للمعرفة يحررك حتى و إن كنت مسجونا لان الجهل يجعل منك ضعيفا هيّنا امام كل من يتسلط على ذهنك و المعرفة تستقل بك عن أي تأثير غير محكم الدليل و البرهان في غنا عن كل الاوهام
أضف رد جديد