النقوش الشعرية الصخرية في بلاد الحجاز وقيمتها الاثرية
النقوش الشعرية الصخرية في المملكة العربية السعودية وقيمتها الأدبية
عبدالرحمن بن ناصر السعيد
نشر في مجلة دارة الملك عبدالعزيز
العدد الثاني، ربيع الآخر 1434هـ، السنة التاسعة والثلاثون
الصفحات (11-62)
النقوش الشعرية الصخرية في المملكة العربية السعودية وقيمتها الأدبية
عبدالرحمن بن ناصر السعيد
نشر في مجلة دارة الملك عبدالعزيز
العدد الثاني، ربيع الآخر 1434هـ، السنة التاسعة والثلاثون
الصفحات (11-62)
شكر وتقدير
أتقدم بالشكر والتقدير إلى كل من قدم لي المساعدة في إعداد هذا البحث ومنهم العاملون في المتحف الوطني للآثار والتراث الشعبي في مدينة الرياض لا سيما د. خالد بن محمد أسكوبي، والأستاذ حمود العنزي.
كما أشكر د.مشلح المريخي على مساعدته لي في قراءة النقش الثامن، وعلى تحديده التقريبي لتأريخ كتابة ثلاثة نقوش لم تحدد المصادر الآثارية تأريخها، وأ.د. سليمان بن عبدالرحمن الذييب على قراءته مسودة البحث واستفدت من ملحوظاته
ملخص البحث
يدرس هذا البحث النقوش الشعرية الصخرية في المملكة العربية السعودية؛ لمعرفة خصائصها وقيمتها الأدبية.
فأشار البحث إلى : تدوين الشعر في التراث، وإلى من ذكر النقوش الشعرية في التراث.
ثم درس البحث النقوش الشعرية الصخرية على حدة؛ وذلك ضمن ستة بنود (مصدر النقش، الموقع الجغرافي للنقش، تأريخ النقش، اسم الناقش، الصورة الكتابية للنقش مع تفريغها، تحقيق النص "الخصائص العروضية، التخريج، قيمة الرواية").
ويهدف البحث إلى كشف خصائص هذه النقوش وقيمتها الأدبية.
* منهج البحث:
1) اعتمدتُ في جمع النقوش الشعرية الصخرية على المصادر الآثارية مثل مجلة أطلال، وموسوعة آثار المملكة العربية السعودية، وكتب المتخصصين في الآثار مثل كتب الدكتور ناصر الحارثي والدكتور سعد الراشد، وغيرهما.
2) لم أعتمد على أن ينص المتخصص الآثاري على أن النقش بيت شعري؛ لأن بعض النقوش تدرج على أنها نثر وهي شعر؛ لذا راجعت النقوش الواردة في المصادر نقشًا نقشًا.
3) لم أعتمد النقوش التي قد يظن أنها بيت شعر، لا سيما مع انعدام مقومات الوزن فيها، وكون جزء منها موافقًا للوزن فلا يعني هذا أن النقش شعر.
4) رتبت النقوش حسب تأريخ نقشها أو حسب تقدير المتخصص الآثاري لتأريخ نقشها، وقدمت ما ورد فيه تأريخ النقش على تقدير تأريخ النقش.
5) استفدت من الدراسات السابقة لا سيما دراسات الدكتور سعد الراشد عن النقوش الشعرية.
6) هناك نقشان لم تتضح صورتها؛ لذا سافرت إلى مكان كل النقش ووقفت عليه بنفسي وصورت أحدهما، وهما موضعان : أحدهما في مدينة العلا، والآخر في مدينة نجران.
7) لم أتعرض للدراسة الفنية للنقش؛ لأنها من اختصاص علم الآثار، لذا اعتمدت الرسم الإملائي الصحيح في كتابة النص دون التنبيه إلى طريقة الكتابة من نقط ونحوه، ودون التنبيه إلى الأخطاء الإملائية؛ وذلك اكتفاء بنقل صورة النقش وتفريغه، ومن أراد الخصائص الفنية فيمكنه مراجعة المصدر الآثاري.
8) وضعت أرقام الصفحات لمصادر التخريج للنقش في المتن.
* آلية البحث:
1) أورد النص الشعري للنقش.
2) أذكر المصدر الآثاري الذي أورد النقش الشعري.
3) أذكر الموقع الجغرافي للنقش الشعري نقلًا عن المصدر الآثاري.
4) أذكر تحديد تأريخ النقش نقلًا عن المصدر الآثاري، وهناك ثلاثة نقوش استعنت بالدكتور مشلح المريخي في تحديد تأريخها، وذكرت ذلك في مواضعها.
5) أذكر اسم الناقش إن وجد.
6) أنقل صورة النقش والتفريغ الكتابي له نقلًا عن المصدر الآثاري أو ما صورته بنفسي.
7) أحقق النص؛ وذلك بتخريج الشعر من الدواوين والمصادر الأدبية مع الإشارة إلى اختلاف الروايات إن وجدت، ودراسة هذه الروايات من حيث اتفاقها أو اختلافها مع النقش الشعري.
* النقوش المستبعدة من البحث:
هناك نقشان استبعدتُهما من البحث بسبب عدم معرفة المصدر:
1) نقش نفيسٌ جدًا لبيت طرفة بن العبد من معلقته:
أنا الرجل الصعل الذي تعرفونه * خشاش كرأس الحية المتوقد
وقد وصلتني صورة النقش من أحد الزملاء؛ لكنه لم يعرف المصدر، وبحثت في كتب الآثاريين، وفي المجلات الآثارية ولم أقف عليه، وسألت كثيرًا من المتخصصين فلم يعرفوه، ولا أعلم مكانه الجغرافي كي أصوره بنفسه، لهذا استبعدته من البحث مع نفاسته إلى أن أقف على مصدره.
2) نقش صوره أحد الهواة في أحد المنتديات:
وما حملت من ناقة فوق رحلها * أبر وأوفى ذمة من محمد
وقد حاولت التواصل مع مصور النقش؛ لكنه لا يرد وسجلت في المنتدى وكتبت تعليقًا أطلب منه التواصل؛ لكنه –أيضًا- لم يرد.
* تدوين الشعر الجاهلي وكتابته:
الشعر الجاهلي نقل إلينا شفهيًا عن طريق الرواة(1)، ثم تلقف العلماء أهل الرواية هذه المرويات وصنعوا الدواوين.(2)
وكثير من الدواوين المطبوعة مثبت فيها سلسلة الإسناد أو الرواية؛ فديوان امرئ القيس له أكثر من طبعة بناء على الرواية؛ فشرح الأعلم الشنتمري متصل السند بصانع الديوان كما أورد ذلك ابن خير الإشبيلي.(3)
والكتابة وأدواتها قليلة في العصر الجاهلي، وقد رويت أخبار قليلة عن كتابة الشعر الجاهلي ككتابة المرقش شعرًا على راحلته.(4)
ولعل أول مصنف وثق النقوش هو كتاب «أدب الغرباء» لأبي الفرج الأصفهاني(5)؛ وهو كتاب فريد؛ إذ إنه مخصص للنصوص الأدبية التي كتبها المسافرون، وقد ذكر ذلك أبو الفرج في مقدمة الكتاب إذ قال :«وقد جمعتُ في هذا الكتاب ما وقع إلي وعرفتُه، وسمعتُ به وشاهدتُه، من أخبار من قال شعرًا في غربته، ونطق عمّا به من كُربة، وأعلن الشكوى بوجده، إلى كل مشرد عن أوطانه، ونازح الدار عن إخوانه، فكتب بما لقي على الجدران...».(6)
والكتاب غني بالنصوص الأدبية التي لم ترد في مصادر أخرى(7) لأنها من منقول أبي الفرج مما شاهده ورآه بنفسه، وأغلب هذه النصوص لمعاصرين مجهولين ومعروفين لأبي الفرج الأصفهاني، ومنها نصوص للمؤلف نفسه.(8)
وقد ورد في الكتاب ذكر أدوات الكتابة مثل: الكتابة بالفحم(9)، والكتابة بالسكين(10)، وذكر المواد المكتوب عليها مثل : الشجر(11)، والحجر(12)، وأنواع المباني مثل : الكنيسة(13)، والمسجد(14)، وحوائط البيوت(15)، والأبواب.(16)
...........................................
النقوش المعتمدة وفق هذا البحث
النقوش المعتمدة وفق هذا البحث
* تحقيق نصوص النقوش الصخرية الشعرية
عدد النقوش الصخرية الشعرية التي تضمنها البحث عشرة نقوش تتضمن أربعة عشر بيتًا؛ هي:
النقش الأول:
أفنى الجديدَ تقلّبُ الشمسِ * وطلوعُها من حيثُ لا تُمْسي
وطلوعُها بيضاءَ صافيةً * وغروبُها صفراءَ كالوَرْسِ
* المصدر :
ورد النقش في ثلاثة مصادر:
1) مجلة المنهل، المجلد (39)، محرم 1398هـ-1977م، استكشافات آثارية إسلامية عريقة على صخور قرب عرفة، عبدالقدوس الأنصاري، الصفحات (392-394).
2) كتابات إسلامية من مكة المكرمة (1416)، د.سعد الراشد (60).
3) الآثار الإسلامية في مكة المكرمة (1430هـ)، د.ناصر الحارثي، (526).
* الموقع :
وادي الحُرُمان قرب عرفة.
* تأريخ النقش:
78هـ (عن عبدالقدوس الأنصاري)، 98هـ (عن د.ناصر الحارثي)، و(عن د.سعد الراشد وناقش قراءة عبدالقدوس الأنصاري ورجح 98هـ).
* الناقش:
أبو جعفر بن حسن الهاشمي.
* صورة الكتابة:
(17) * الوزن:
من الكامل
مُتَفَاعِلُن مُتَفَاعِلُن مُتْفَا * مُتَفَاعِلُن مُتْفَاعِلُن مُتْفَا
مُتَفَاعِلُن مُتْفَاعِلُن مُتَفَا * مُتَفَاعِلُن مُتْفَاعِلُن مُتْفَا
وقد ورد على العروض(18) الثانية «حَذَّاء» وضربها(19) «أحَذَّ مُضْمَر».(20)
كما دخل الإِضْمَارُ عَرُوضَ البيت الثاني، وحَشْوَ البيتين؛ وذلك في التفعيلة الثانية في عجز البيت الأول، والتفعيلة الثانية في صدر البيت الثاني، والتفعيلة الثانية في عجز البيت الثاني.
* تخريج النص:
ورد في النقش اسمه ناقشه والتأريخ :«وكتب أبو جعفر بن حسن الهاشمي سنة ثمان وتسعين».
وقد درس النقش الدكتور سعد الراشد (60-66)، وأورد مصادر التخريج : شرح شواهد القطر، والحيوان والبيان والتبَيُّن للجاحظ، وذيل الأمالي. وذكر فروق الروايات بين هذه المصادر ومقارنتها بالنقش.
وهناك مصادر وروايات أخرى لم يوردها الراشد، وقد ورد البيتان في مصادر التخريج التي اطلعت عليها متعدد النسبة كما يلي:
1) قس بن ساعدة، أَسْقُفُّ نجران: ثمار القلوب في المضاف والمنسوب (232) في ثلاثة أبيات.
2) أَسْقُفُّ نجران(21): البيان والتبَيُّن (3/342-343)، والحيوان (3/88)، وفي بيتين في اللآلي شرح أمالي القالي (486). ولعابد نجران في العقد (3/122) في ثلاثة أبيات، وأخرجه ابن أبي الدنيا في كلام الليالي والأيام لابن آدم (32) برقم [44] عن قبطي من أهل نجران لقس نجران في ثلاثة أبيات.
3) تبع الأكبر (تبع بن تبع الأقرن بن يرعش بن إفريقيس): خلاصة السيرة الجامعة (116) في أربعة عشر بيتًا، وفي ربيع الأبرار (1/127) ، والمجالسة وجواهر العلم (5/230) برقم [2060] عن أبي زيد لتبع الأول، وبإسناده في تأريخ مدينة دمشق لابن عساكر (11/19-20) في ثلاثة أبيات، والأنساب للصحاري (196-197) في ثمانية أبيات. ولتبع الأقرن في التيجان (449) في اثنين وعشرين بيتًا.
4) ذكر النسبتين :
أ- المعارف لابن قتيبة (630) «تبع بن الأقرن بن شمر يرعش وهو تبع الأكبر ... وبعض الرواة يذكرون أن هذا الشعر لأسقف نجران».
ب- أسقف نجران ويروى لتبع الحميري: بهجة المجالس (2/330) في ثلاثة أبيات.
ج – الروض الأنف (1/165): «تبع الأول وهو الرائش وقد قيل لتبع الآخر وقيل لأسقف نجران».
د- الحماسة البصرية (4/1650-1651) برقم (1590): «لتبع بن الأقرن وتروى لراهب نجران» في أربعة أبيات.
هـ- معجم الشعراء (223) للقمقام بن العباهل بن ذي سحيم بن العزير وهو تبع الثاني أو الثالث ملك حضر موت واليمن في ثلاثة أبيات، وتروى لأسقف نجران.
و-معاهد التنصيص نسبه في الموضوع الأول (1/87) إلى أسقف نجران في ثلاثة أبيات، وفي موضع ثانٍ (3/33) إلى بعض ملوك اليمن في بيتين.
5) أنوار الربيع (6/8): لبعض العذريين. وهي نسبة غريبة انفرد بها.
6) بلا نسبة: زهر الآداب (766) ، وذيل الأمالي (29-30).(22)
* اختلاف روايات البيتين بين المصادر:
1) التيجان، والمعارف، والمجالسة وجواهر العلم، وزهر الآداب، وربيع الأبرار، وتأريخ مدينة دمشق، وخلاصة السيرة الجامعة :
منَعَ البقَاءَ تقلب الشمسِ * وطُلوعُها منْ حيْثُ لا تُمسي
وطُلوعُها بَيضاءَ صافِيَةً * وغروبُها صَفْراءَ كالوَرْس
2) البيان والتبَيُّن، والحيوان، وبهجة المجالس، واللآلي:
منَعَ البقَاءَ تصرُّفُ الشمسِ * وطُلوعُها منْ حيْثُ لا تُمسي
وطُلوعُها بَيضاءَ صافِيَةً * وغروبُها صَفْراءَ كالوَرْس
3) كلام الليالي والأيام لابن آدم:
منَعَ البقَاءَ تقلب الشمسِ * وطُلوعُها منْ حيْثُ لا تُمسي
وطُلوعُها حمراء إذ طلعت * وتغيب في صَفْراءَ كالوَرْس
4) العقد:
منع البقاء مَطالعُ الشمسِ * وغُدوُّها من حيث لا تُمْسي
وطلوعُها حمراءَ قانيةَ * وغروبُها صَفْراءَ كالوَرْس
5) معجم الشعراء:
منَعَ البقَاءَ تقلب الشمسِ * وطُلوعُها منْ حيْثُ لا تُمسي
تبدو لنا بيضاء واضحة * وتغيب في صَفْراءَ كالوَرْس
6) ثمار القلوب في المضاف والمنسوب:
منَعَ البقَاءَ تقلب الشمسِ * وغُدوُّها منْ حيْثُ لا تُمسي
وطُلوعُها بَيضاءَ صافِيَةً * وغروبُها صَفْراءَ كالوَرْس
7) ذيل الأمالي:
منَعَ البقاء تقلب الشمسِ * وطُلوعُها منْ حيْثُ لا تُمسي
تبدو لنا بيضاء صافِيَةً * وتغيب في صَفْراءَ كالوَرْس
8) الروض الأنف:
منَعَ البقَاءَ تصرُّفُ الشمسِ * وطُلوعُها منْ حيْثُ لا تُمسي
وطُلوعُها بَيضاءَ مشرقةً * وغروبُها صَفْراءَ كالوَرْس
9) الحماسة البصرية:
منَعَ الحياة تقلب الشمسِ * وطُلوعُها منْ حيْثُ لا تُمسي
وطُلوعُها حمراء صافِيَةً * وغروبُها صَفْراءَ كالوَرْس
10) الأنساب للصحاري، ومعاهد التنصيص:
منَعَ البقَاءَ تقلب الشمسِ * وطُلوعُها منْ حيْثُ لا تُمسي
وطُلوعُها حمراء صافِيَةً * وغروبُها صَفْراءَ كالوَرْس
11) أنوار الربيع:
منَعَ البقَاءَ تقلب الشمسِ * وخروجها منْ حيْثُ لا تُمسي
وطلوعها حمراء قانية * وغروبُها صَفْراءَ كالوَرْس
* أقرب الروايات للنقش:
من خلال مصادر التخريج السابقة يتبين ما يلي:
1) انفراد النقش بالكلمتين في رواية البيت الأول:
أفنى الجديد تقلب الشمسِ * وطُلوعُها منْ حيْثُ لا تُمسي
وجملة «أفنى الجديد» رواية جيدة لم ترد في المصادر التي اطلعت عليها، وقد وردت في شعر لأبي الأسود الدؤلي:(23)
أفنى الجديدَ الذي فارقتُ جِدَّتَهُ * كَرُّ الجَدِيْدَيْنِ مِن آتٍ ومنطلق
وأما البيت الثاني فقد ورد في النقش موافقًا لأغلب مصادر التخريج: التيجان، والبيان والتبَيُّن، والحيوان، والمعارف، والمجالسة وجواهر العلم، وثمار القلوب، وزهر الآداب، وبهجة المجالس، واللآلي، وربيع الأبرار، وتأريخ دمشق، وخلاصة السيرة الجامعة.
وبذا يتضح انفراد النقش براوية جيدة لصدر البيت الأول لم ترد في المصادر التراثية التي اطلعت عليها.
يتبع ...........