نشأ محمدٌ في بيئة مليئة بكل أنواع الديانات من تعددية مثل عبادة الأصنام، وتوحيدية مثل المسيحية واليهودية والحنيفية، وكذلك عبادة النجوم والشمس والنار مثل الصابئة وأتباع الإله ميثرا وغيرهم. ولم تكن اللغة العربية وقتها لغة مكتوبة فكان العرب يعتمدون على الشعر والسجع والقصص لحفظ تراثهم. وكانت هناك فُرَق مسيحية ويهودية عديدة خارج نطاق ما تعترف به الكنائس اليهودية والمسيحية. وكان لهذه الفُرق كتبها المقدسة الخاصة بها التي تعتبرها الكنائس كتباً منحولة Apocryphal بها قصص أسطورية غير معتمدة. وكان محمدٌ يجالس أهل هذه الفُرق ويستمع إلى قصصهم، وبذا كوّن فكرة عامة عن الديانتين الرئيسيتين واستعان بورقة بن نوفل والراهب بحيرة وغيرهم لملء الفجوات في علمه، ولكنه حفظ ما سمعه ولم يتمكن من تدوينه، وبما أن الذاكرة تضعف مع تقدم العمر، فقد يكون محمدٌ قد نسي بعض ما سمعه فاضطر إلى إضافات من عنده.
ونسبة لاعتماده على الذاكرة فقد غابت عنه التفاصيل الدقيقة مثل أسماء أنبياء بني إسرائيل وأسماء النساء اللاتي ذكرهن في قرآنه، كما كان ينقصه أسماء أماكن حدوث المعجزات أو الآيات. وقد ظهر هذا جلياً في قرآنه. عندما يتحدث محمد عن المعجزات التي يجهل مكان وتاريخ حدوثها يقول “كم من قرية أهلكناها” أو “اسألهم عن القرية”. ذكر القرية أو القرى في أكثر من عشرين آية في سور مكية وآيتين أو ثلاثة في سور مدينية.
بدأ حديثه عن القرى بسورة الأعراف، وترتيب “نزولها” حسب الأزهر، هو 39. يقول فيها (وكم من قريةٍ أهلكناها فجاءها بأسُنا بياتاً أو هم قائلون) (الأعراف 4). أي جاءهم البأس وهم نيام أو وقت القيلولة في الظهيرة. ولم يذكر اسم أي قرية معينة بل اكتفي بالقول (كم من قريةٍ أهلكناها). ثم أردف في نفس السورة (وما أرسلنا في قريةٍ من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون) (94). ثم (أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضُحًى وهم يلعبون) (98). ثم تحدث عن بني إسرائيل في نفس السورة وقال (وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حِطة وادخلوا الباب سُجداً نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين) (161). الحديث هنا عام عن القرى التي لم يكم يعرف أسماءها فاكتفى بكلمة “القرى” أو “القرية”. ورغم أنه عرّف القرية بألف ولام التعريف، ومن المفترض أنه كان يعني قرية معينة يعرفها السامع، فقد كان كلامه عاماً لا يرمز إلى قرية بعينها. ثم تجرأ أكثر وقال في نفس السورة (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت أذ تأتيهم حيتانهم يوم سيتهم شُرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون) (163). لا نفهم منطق إله القرآن في هذه الآية، فهو يقول لمحمد أن يسأل السامعين في مكة عن القرية التي كانت حاضرة البحر أي عاصمة اليهود الذين كانوا يعيشون بالقرب من البحر ويصطادون الحيتان يوم السبت. فلا محمداً ولا إلهه ولا السامعين كان يعرف تلك القرية أو يعرف مكانها. فكيف يسألهم محمد عنها, وهل لو سألهم سوف يقنعهم هذا بأن قرآنه من عند إله في السماء؟
ترك محمدٌ الحديث عن القرى لفترة وجيزة ثم عاد إليه في سورة يس، وترتيبها حسب النزول 41، فقال (واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون. إذ أرسلنا لهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون. قالوا ما أنتم إلا بشرٌ مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون. قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) (يس 13-16). مرة أخرى لا أحد يعرف اسم هذه القرية ولا أين مكانها، ولا معتقد الناس الذين كانوا يسكنون هذه القرية، ولا أسماء المرسلين الذين كذبوهم. وهل لو أرسل إله السماء رسولين لأهل تلك القرية وكذبهم الناس، يكون إرسال رسول ثالث ليعزز الاثنين السابقين عاملاً يجعل الناس يؤمنون؟ مرة أخرى كلام عام ينم عن جهل بالتاريخ والمواقع الجغرافية وأسماء أنبياء بني إسرائيل. لو كان كلامه وحياً من إله السماء أو لو كان قد حفظ التفاصيل لذكر أسماء هؤلاء الأنبياء الذين أرسل إله السماء منهم اثنين دفعة واحدة وعززهم بثالث لأن مثل هذا الحدث نادر جداً ولا بد أن الناس يتذكرون هذين النبيين والثالث الذي عززهم به إله السماء.
ثم ينتقل محمد في سورة الفرقان المكية وترتيبها 42، أي أتت يعد يس مباشرةً، ينتقل ليتحدث عن عاد وثمود. يقول (وعاداً وثمودا وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيرا. وكلاً ضربنا له الأمثال وكلاً تَبْرّنا تتبيرا. ولقد أتوا على القرية التي أُمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا) (الفرقان 38-40). محمد هنا يتحدث عن قرية قوم لوط التي ما كان يعرف مكانها، وعاد وثمود كانوا يعيشون في شمال غرب الجزيرة العربية على شواطئ البحر الأحمر. وقد كانت ثمود موجودة حتى القرن الخامس الميلادي، أي قبل ظهور محمد بفترة وجيزة. وقد كان منهم جنودٌ في الجيش الروماني. أما أصحاب الرس فلا أحد يعلم مكان قريتهم. فكيف تكون ثمود قد أتت على قرية قوم لوط التي أمطرها إله السماء مطر السوء، وأغلب المؤرخين المسلمين يخمنون أنها كانت في غور الأردن ؟ ويحاول محمد هنا أن يغطي على جهله بالتفاصيل فيأتي بكلمات غريبة في الآية، ويقول (وكلاً تبّرنا تتبيرا). التبر هو الذهب أو النحاس قبل صقله. فكيف تبّر تلك القبائل تتبيرا؟ الغرض من الكلمات الغريبة شغل الناس بتفسيرها وعدم الالتفات لمحتوى الآية
وبعد أن تحدث محمد كثيراً عن هلاك القرى في الأزمان الغابرة ولم يقنع عرب مكة بقصصه وكانوا قد طلبوا منه أن ينزل عليهم كسفاً من السماء إن كان صادقاً، قال لهم في سورة القصص، وترتيبها 59: (وما كان ربك مهلكَ القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون) (القصص 59). وأم القرى طبعاً هي مكة. فالعذر الذي قدمه محمد لعرب مكة ليوضح لهم لماذا أهلك الله كل تلك القرى ولم يهلك مكة هو أنه كان منتظراً أن يبعث في أم القرى رسولاً. ثم في السورة التالية وهي سورة الإسراء يقول محمد (وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) (الإسراء 16). والمقصود هنا طبعاً هم تجار مكة الأغنياء من أمثال الوليد بن المغيرة الذي قال عنه رب القرآن (ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالاً ممدودا). فقد لجأ محمد إلى التهديد بعد أن فشل في إقناعهم بقصصه التي لا تحمل أي معلومات غير معروفة لهم من قبله. وفي السورة التالية وهي هود، وترتيبها 52، يقول رب القرآن لمحمد (ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائمٌ وحصيد) (هود 100). وبالطبع ليس هناك أي أنباء قصها رب القرآن لمحمد. كل ما في الأمر أنه زعم أنه أهلك بعض القرى وأنزل على بعضها مطر السوء، لكنه لم يحدد ولا قرية واحدة من القرى التي ذكرها ولا مكانها الجغرافي حتى يزورها الناس ليقتنعوا بقصصه.
ومحمد لم يكن يستطيع أن يُفرّق بين القرية والمدينة. فعندما تحدث عن يوسف وإخوته في مصر التي كانت عاصمتها “طيبة” في ذلك الوقت من أعظم المدن، قال على لسان إخوة يوسف في سورة يوسف، وترتيبها 53: (واسأل القريةَ التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون) (يوسف 82). ولكنه عندما تحدث عن موسى وفرعون، قال (وجاء من أقصى المدينة رجلٌ يسعى) (يس 20). فنفس القرية التي كان بها يوسف أصبحت مدينة هنا.
وفي السورة 54 (الحجر) يقول رب القرآن (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) (الحجر 4). وكان هذا أحد الردود التي أتي بها محمد عندما كرر عليه عرب مكة أن ينزل عليهم كسفاً من السماء فقال لهم كل قرية لديها تاريخ محدد لهلاكها، وتاريخ مكة لم يأت بعد. وفي السورة التالية مباشرةً، وهي سورة الأنعام، يقول (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون) (131). والقصد أن يقول لأهل مكة: مع أنكم ظالمون فإن الله لن يرسل عليكم كسفاً من السماء وأنتم غافلون. مع أنه قال في آيات أخرى (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون). فهذه القرى جاءها البأس وأهلها نائمون ليلاً أو في القيلولة، فهم كانوا غافلين
وفي السورة 58 (سبأ) يقول (وما أرسلنا في قريةٍ من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أُرسلتم به كافرون) (34). محمد هنا لم يذكر لنا ولا قرية واحدة قال مترفوها هذا الكلام مع أن رب القرآن يقول له (ذلك من أنباء القرى نقصه عليك). وهذا يثبت أن محمداً كان يجهل تفاصيل القرى اليهودية التي أتى بها أنبياء بني إسرائيل، وربه لم يساعده كثيراً عندما قص عليه أنباء القرى.
وأخيراً تذكر محمد أنه مرسلٌ لأم القرى، فقال في سورة الشورى، وترتيبها 62: (وكذلك أوحينا إليك قرآناُ عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها) (7). ثم يحاول محمد إيهام السامعين فيقول لهم في سورة الأحقاف، وترتيبها 66: (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرّفنا الآيات لعلهم يرجعون) (27). وبالطبع عرب مكة كانوا يعرفون القرى من حولهم وأنها ما زالت قائمة ولم يهلكها رب محمد، وبعض تلك القرى كانوا مسيحيين آمنوا بالرسول الذي أتاهم فلم يكن هناك أي سبب لهلاكهم.
وفي ادعاءٍ غريب يقول محمد في القرآن (وكم قصمنا من قريةٍ كانت ظالمةً وأنشأنا بعدها قوماً آخرين) (الأنبياء 11).بينما قال لنا في آية سابقة (وكم أهلكنا من قريةٍ بطرت معيشتها وتلك مساكنهم لم تُسكن من بعدهم إلا قليلاً وكنا نحن الوارثين) (القصص 58). وقال (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ) (السجدة 26). فهو هنا يثبت لنا أنه لم ينشئ قوماً آخرين. وحتى لو أنشأ قوما آخرين فإن الآخرين أشد كفراً به من الأولين الذين أهلكهم.
وفي سورة العنكبوت، ورقمها 85، يقول (ولما جاء رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إنّ أهلها كانوا ظالمين) (31). أي قرية هذه التي يتحدث عنها، وأين مكانها حتى يراها الناس ويقتنعوا أنه قد دمرها. وهؤلاء الملائكة الذين أتوا إبراهيم بالبشرى بغلامه، لماذا يفسدون عليه فرحته بإخباره بهلاك القرية التي يقطنها ابن أخيه؟ وفي نفس السورة يقول (إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون) (العنكبوت 34). مرة أخرى لا يحدد أين كانت هذه القرية، ومتى أنزل عليها الرجز من السماء.
وبعد أن انتقل محمد إلى المدينة واشتغل بالغزوات نسي الكلام عن القرى حتى تذكره في آخر سورة البقرة فقال (أو كالذي مر على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها قال أنّى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يومٍ قال بل لبثت مائة عام) (البقرة 259). مجرد ادعاء فارغ لا دليل عليه. أين هذه القرية وأين الدليل أن هذا الرجل مات مائة عام ثم بُعث وتحدث مع رب السماء؟ فكل قصص محمد عن القرى على مدى ثلاث عشرة عاماً ما هي إلا كلام عام يتحدث فيه عن قرى خيالية لا وجود لها ولا يعرف هو ولا غيره أين كانت تلك القرى.
ولا ينحصر جهل محمد في تفاصيل القرى أو المدن التي أتى بها أنبياء بني إسرائيل، وإنما يتعداها إلى أسماء الأنبياء أو عامة الناس الذين حاول الاعتماد عليهم في اثبات نبوته. فهو يقول في سورة البقرة (وقال لهم نبيهم إنّ الله قد بعث لكم طالوت مَلِكاً قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه) (البقرة 247). من هو نبيهم هذا الذي قال لهم ذلك الكلام؟ محمد لم يكن يعرف. ثم زعم أن الملك طالوت قاد الجنود إلى النهر واختبرهم، فقال (فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهرٍ فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفةً بيده) (البقرة 249). والقصة الحقيقية كما في العهد القديم هي أن القاضي جدعون هو الذي أخذ الجنود إلى نهر الأردن وطلب منه الرب أن يختبر الجنود بطريقة شربهم من النهر. فمن غرف بيده يسمح له بعبور النهر والاشتراك في المعركة مع أهل مدين. فليس هناك مَلِكٌ وليس هناك طالوت.
محمد لم يكن يعرف كذلك أسماء النساء من بني إسرائيل لذلك لم يذكر اسم أي امرأة في القرآن غير مريم أم عيسى، التي غلط في نسبها وقال لها (يا أخت هارون لم يكن أبوك امرأ سوءٍ ولم تك أمك بغياً). ولما ضحك عليه أهل الطائف لأنه خلط بين مريم أم عيسى ومريم أخت هارون، قرر ألا يذكر اسم أي امرأة أخرى. لذلك يقول (قالت امرأة العزيز الآن حصص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين) (يوسف 51). ويقول كذلك (وقالت امرأة فرعون قرةُ عينٍ لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا) (القصص 9). وكذلك (إذ قالت امرأة عمران ربِ إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم) (آل عمران 35). ويقول (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأت نوحٍ وامرأت لوطٍ كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يُغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين) (التحريم 107).
خلاصة الأمر أن محمداً لم يأته أي وحي من السماء إنما حاول إقناع عرب الجزيرة بنبوته فادعى أنه يعرف تاريخ أنبياء بني إسرائيل والأقوام الذين ظهر فيهم أولئك الأنبياء، وكيف عاقبهم الله لأنهم لم يصدقوا رسله. لكن محمداً كان يجهل التفاصيل رغم أنه كان ملماً بالصورة العامة عن بني إسرائيل وديانتهم. ونتيجةً لهذا الجهل بالتفاصيل تاه محمدٌ بين القرى الكثيرة التي ذكرها في قرآنه، فأتى بكلمة “القرى” 17 مرة في 16 آية، وكلمة “القرية” 10 مرات في 10 آيات، وكلمة “قرية” 23 مرة في 23 آية، وكلمة “قرى” مرتين في آيتين. كل هذه الآيات لم تحدد قرية بعينها ولم تقنع عرب مكة برسالة محمد لأنها تحتوي على كلام عام وقرًى مبهمة لا دليل عليها.