آخر الأخبار

كيف لك أن تصف حال المسلمين , يهزهم رسم كاريكاتوري اعتبروه إساءة لدينهم و رسولهم ,فانتفضوا في شتى أصقاع المعمورة ,تظاهروا , أحرقوا , توعدوا , هددوا , دمروا, قتلوا , أفتوا بالقتل ,دفاعا عن صورة رسولهم و بياض دينهم الناصع , كما فعلوا الأمر نفسه سابقا أمام رواية بسيطة لسلمان رشدي , آيات شيطانية, ولم تستفزهم مجزرة وحشية ذهب ضحيتها 1700 أسير أعزل كانوا في معسكر تدريب .

لم أكن أرغب في الكتابة اليوم , استوقفتني عدة جمل كتابها على الفيسبوك صديق حائز على درجة دكتوراه يكتب تحت اسم وهمي خوفا على لقمة عيشه و حياته من أمة الدليل و الصراط المستقيم والحق المبين ,التي يدافع عنها بحد الردة ,هذا نصها:
“1700 شاب عراقي اقتيدوا كالخرفان في شاحنات , كانوا خائفين , بعضهم يرتجف. كبّلوا أياديهم , رموهم في خندق . وكانوا يشهدون موت بعضهم البعض بطلقة في الرأس .
هناك مليار مسلم وأغلبهم سيصوم رمضان . هل خرجت مظاهرة استنكار واحدة ؟ كلا… إنّها أمة قذرة مجرمة بطبيعتها وبثقافتها…تاريخها كله قذر.”
كلنا لاحظنا, كيف أن حصول تلك المجزرة الرهيبة , مر تقريبا مرور الكرام , لم يهز الإعلام و لا الشارع , حتى المحسوب على السنة والشيعة.

أغلب المسلمين تبرأ من فظاعة فعلة داعش و منهم من أخفى موافقته الضمنية على ذلك بتبريرات شتى اجتماعية و سياسية و حقوقية . وترددت كثيراً الاسطوانة المكررة بأن الاسلام بريء من ذلك و لا يرضى إلا بالمعاملة الحسنة للأسرى ,لوجود العديد من النصوص التي تؤكد هذا القول.
أعادت لنا هذه المجزرة الأذهان الى مجزرة في عصر الإسلام الأول خلال غزوة بني قريظة, حيث تشترك معها بالعديد من التفاصيل, نذكر منها:
– الاستسلام الجماعي بأعداد ضخمة بعد توقع العفو والمرحمة .
– تصنيف الأسرى من يقتل ومن يعفى عنه.
– وضع الأسرى أمام الخنادق قبل الإعدام.
– إعدام أعداد كبيرة وصل العدد في مجزرة بني قريظة إلى 900 رجل وصبي.
لن أقوم بإقتباس نصوص قصة مجزرة بني قريظة المذكورة في كتب السيرة و أبرزها سيرة ابن هشام , والتي تحظى بإجماع المسلمين تاريخيا على حصولها, سنة وشيعة وأباضية, وتحظى أيضاً بقبولهم لتفاصيلها الوحشية بكل فخر و إعتزاز, إلى تاريخنا المعاصر ظهر بعض المفكرين و الباحثين الإسلاميين المعتدلين والقرآنيين بمحاولة إنكار تفاصيل وحشية في القصة من منطلق الدفاع عن الإسلام بوجه منتقديه الذين وجدوا بتلك القصة مادة دسمة لنقد الإسلام و رسوله, لاسيما أن أحد لم ينكر حصول الحادثة , لورود تلك القصة بشكل صريح في سورة الاحزاب من القرآن الكريم :
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا {الأحزاب/25} وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا {الأحزاب/26} وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا {الأحزاب/27}.
كما أن أثار بيوت بني قريظة مازالت قائمة بجدرانها و طرقاتها , إلى اليوم في المدينة المنورة, و من الحقائق أن اليهود جرى تهجيرهم منها.

لنعود إلى مجرزة داعش بالجنود العراقيين , و لماذا لم تحدث صدمة في ضمائر و وجدان المسلمين عامة؟.

بالنسبة لأغلب الجمهور السني لا يجب أن يتوقع فيه صدمة واستفزاز كبير لقتل 1700أسير شيعي , لسيطرة البروباغندا الوهابية على شريحة واسعة منه ,بحيث شيطنة الشيعة و اباحت دماءهم عبر ترسيخ فكرة عدم اعتبارهم من ضمن الاسلام و خطورتهم عليه و أن إسلامهم مزيف يبطن عقائد مجوسية و شركية , و خطرهم أكبر من خطر الصهيونية اليهودة, و ترسخ ذلك أكثر خلال أحداث سوريا حيث تصاعد الحقد الطائفي الى درجة قصوى, فصار مشهد حز رؤوس الشيعة والعلويين والمسيحيين أمراً مألوفا و لدرجة أن مجرم حقير حائز على دكتوراه شافي العجمي وسط دولة الكويت و أمام الإعلام يتباهى و يتفاخر بذبح عائلة رجل دين شيعي و بالاخص ذبح طفله الصغير في قرية الحطلة السورية , ولا تحرك السلطات الكويتية ساكناً لمحاكمته.

و أما بالنسبة للشيعة فهم فاشلون فشلاً ذريعاً اعلامياً باظهار حجم الممارسات الهمجية و الدموية التي يتعرضون لها ابتداءاً من الجماعات التكفيرية و اخواتها, حيث أن الشيعة يعيشون هاجس الخطئية إن أظهروا مصائبهم اليوم بخلفية لا يوم كيومك يا ابا عبدالله ولا مصيبة كمصيبتك يا ابا عبدالله, وأيضا لاعتبارات مراجعهم التي تتعلق بتهدئة الشارع خوفاً من انفلاته لفتنة طائفية كبرى يكون المستفيد الأول منها التيار الوهابي التكفيري, الذي لا يتوانى عن تحريض المجتمع السني كله و العالمي باستغلال ابسط حادثة تعرضوا لها و إن لم يجدوا لا تتردد الجماعات التكفيرية التي تحمل فكره بفعل جرائم بغيرهم و حتى بالسنة لاستغلالها اعلامياً من مبدأ وجوب التحريض على القتال, وأبرز مثال على ذلك مجزرة الحولة في 25/5/2012.

ختاما , من السهل الملاحظة إستنادا لردة فعل المسلمين ,بأن لمعظم من قال ببراءة الاسلام من فعلة داعش إقراراً ضمنياً و حتى إن لم يعترفوا به , بأن ما حصل للجنود العراقيين هو جزء من تعاليم الدين , لذلك لا يستنفزهم بقدر ما يستفزهم ,رسم كاريكاتوري للنبي محمد أو كتاب ينتقد دينهم, ولو كانوا صادقين بأن داعش تشوه الدين و بريئة من الإسلام لملئوا الساحات احتجاجاً و لما وجدنا البعض منهم يفرحون بكل خبث بما حصل لجنود عزل من السلاح.