آخر الأخبار

هناك آيات كثيرة في القرآن يصعب اخضاعها للمنطق. والقرآن في هذا كبقية الاديان السماوية الاخرى، لا يخضع للمنطق، وعلي الانسان اما ان يؤمن بما جاء في الاسلام دون التفكير فيه منطقياً، او اخضاعه للمنطق وادخال الشك الى نفس الانسان. وتعريف الايمان ” Faith ” هو: التصديق بشئ دون تمحيص “. أي دون برهان. وعليه فان أغلب المؤمنين لا يُخضعون ايمانهم للمنطق حتى لا يتزعزع هذا الايمان. والذي يدفع الانسان لاخضاع الاسلام للمنطق هو اصرار بعض العلماء المسلمين على محاولة جعل القرآن يحتوي على كل شئ من الدين والدولة والعلم، واصرارهم ان القرآن سبق العلم الحديث في تفسير الظواهر الطبيعية. وعليه سنحاول اخضاع بعض آيات القرآن للمنطق.

۞ فلنبدأ بالآية الرابعة من سورة ابراهيم: ” وما ارسلنا من رسولٍ الا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحليم”. والآية السابعة من سورة الشورى تقول: ” وكذلك اوحينا اليك قرآناً عربياً لتنذر ام القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير”. فالذي يُفهم من هذين الآيتين، حسب المنطق، هو ان الله لا يرسل رسولاً لامة الا بلسانها، ولما ارسل محمداً بلسانٍ عربي لينذر ام القرى، اي مكة، ومن حولها، يكون المقصود بالرسالة هم العرب. ولكن في سورة اخري يخبرنا القرآن ان الاسلام اُنزل مصدقاً ومتمماً للكتب التى سبقته، وكذلك ارسل الله محمداً بالاسلام ليظهره على الدين كله. أي بمعنى آخر، ارسل محمداً لكل البشر رغم ان القرآن نزل باللغة العربية.

ولكن في سورة فصلت الآية 44 نجد: ” لو جعلناه قرآناً اعجمياً لقالوا لولا فُصلت آياته، أعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء”. فاذاً لو جعل الله القرآن اعجمياً لاحتج العرب ولقالوا لولا فُصلت آياته لنا بلغتنا، ولما كان علماء المسلمين يصرون على ان اعجاز القرآن في لغته، يجوز اذاً لغير العرب ان يقولوا ان الله لم يرسل رسولاً لقوم الا بلغتهم، وما دام القرآن ليس بلغتنا، فهو ليس لنا لان ترجمته الى لغاتنا تفقده اعجازه اللغوي، وبما ان محمد لم تكن له معجزات مادية كغيره من الانبياء، وكل معجزته هي لغة القرآن، فاذا فُقدت هذه المعجزة نتيجة الترجمة فقد القرآن قيمته الاقناعية.

۞ وسورة الشعراء تؤكد لنا ذلك في الآية 193 وما بعدها: ” نزل به الروح الامين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسانٍ عربي مبين، وانه لفي زُبر الاولين، أولم يكن لهم آيةً ان يعلمه عُلماء بني اسرائيل، ولو نزلناه على بعض الاعجمين، فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين، كذلك سلكناه في قلوب المجرمين، لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الاليم”. فهاهو الله يخبرنا انه لو نّزل هذا القران العربي على بعض الاعجمين لم يؤمنوا به حتى يروا العذاب الاليم، وهو يوم القيامة.
وفي نفس الوقت الذي يخبرنا فيه القرآن ان الاسلام هو الدين المنزل لكل الناس، نجد فى الآية 47 من سورة المائدة: ” وليحكم اهل الانجيل بما انزل الله فيه ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون”. وفي الآية 68 من نفس السورة: ” قل يا اهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والانجيل وما اُنزل اليكم من ربكم”. ومعنى هاتين الايتين ان اهل الكتاب من نصارى ويهود يجب ان يتبعوا الانجيل والتوراة ويحكموا بما انزل الله فيهما. ولا بد ان سيقول علماء الاسلام ان هاتين الآيتين منسوختان. ولكن كونهما انزلتا في المكان الاول يدل على ان الله اراد لاهل الكتاب ان يُحّكموا التوراة والانجيل لفترة من الزمن بعد ارسال محمد والى حين النسخ، إذا كانتا فعلاً قد نُسختا.

۞ ولما جاء نفر من اليهود يحكّمون النبي في خلاف نشب بينهم، قال الله له في الآية 43 من سورة ” المائدة: ” وكيف يحكموك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما اؤلئك بالمؤمنين “. فنفهم من هذا ان حكم التوراة هو نفس حكم القرآن، ويتبع من ذلك ان لا فرق بين التوراة والقرآن. فما كان اليهود يحتاجون أن يُحّكموا محمد.
وفي ألآية التي بعدها: “إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونورٌ يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء”. فقال الله أنه أنزل التوراة ليحكم بها النبيون، ونحن نعلم أن التوراة نزلت على موسي، ولم يكن بعد موسى الا عيسى ومحمد، فهل قصد الله أن يحكم محمد بالتوراة؟ أم كانت هذه واحدة من ألآيات التي حاول بها محمد استمالة اليهود؟

۞ وفي سورة آل عمرآن عندما يتكلم الله عن اليهود:
113- ” ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمةٌ قائمةٌ يتلون آيات الله أناء الليل وهم يسجدون”
114- ” يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين”
115- ” وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه والله عليم بالمتقين”

وهاهو الله يقول أن اليهود ليسوا كلهم سواء، ففيهم أمة يتلون التوراة ويؤمنون بالله وهم من الصالحين، ولذا ما كان يحق لمحمد أن يقتلهم ويطردهم من ديارهم. ولكن المفسرون الاسلاميون قالوا أن القرآن قصد اليهود الذين أسلموا وآمنوا بمحمد. ونحن نعرف من كتب السيرة أن حفنة تُعد على الاصابع هم الذين أسلموا، وهم: عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسيد بن عبيد، أما بقية اليهود فقتلهم محمد وسبى نساءهم أو طردهم من ديارهم ونزحوا الى الشام. والاربعة أو الخمس يهود الذين أسلموا لا يكوّنون أمةً حتى يذكرهم القرآن في هذه ألآية.

۞ وفي سورة الشورى الآية 19 يخبرنا الله: ” ان الله لطيف بعباده يرزق من يشاء “. ويقول ابن كثير في تفسير هذه الاية: يقول تعالى مخبراً عن لطفه بخلقه في رزقه اياهم عن آخرهم لا ينسى احداً منهم، سواء في رزقه البار والفاجر. وفي سورة هود، الآية السادسة نجد: ” وما من دابة في الارض الا على الله رزقها”. وتفسيرها: اخبر تعالى انه متكفل بارزاق المخلوقات من سائر دواب الارض صغيرها وكبيرها، بحريها وبريها. فاذا كان هذا هو المفهوم من هذه الايات، لماذا نرى كل عام على شاشات التلفاز ملايين من الاطفال والنساء والرجال العجائز يموتون من اثر المجاعات في اثيوبيا والصومال وبقية افريقيا؟ هل يرجع ذلك الى انهم غير مسلمين؟ في حين يخبرنا ابن كثير ان الله لا ينسى منهم احدا،ً سواء عنده البار والفاجر. أيمكن ان يرجع هذا الى الآية التي تقول: ” ومن يتقي الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب”. فهل يرزق الذين يتقونه فقط، والا كيف تستقيم هذه الاية مع الحقائق التي نراها بأعيننا من مجاعاتٍ متكررة في افريقيا؟

۞ وسورة الزخرف، في الآية 11 تقول: ” والذي انزل من السماء ماءً بقدر فانشرنا به بلدة ميتاً كذلك تُخرجون”. ويقول تفسير الجلالين: ينزل المطر بقدر حاجتكم اليه، ولم ينزله طوفاناً. ولكن في كل عام نرى بلاداً مثل الهند وبنقلاديش تغمرها الفيضانات من كثرة الامطار مما يؤدي الى موت مئات ان لم يكن آلافٍ من البشر بينما يقتل الجفاف اعداداً هائلة في افريقيا. فهل هذه الفيضانات السنوية بقدر حاجة الهند وغيرها للامطار؟

۞ ويوم القيامة كذلك يُعطى كل انسان كتابه الذي سجلت فيه الملائكة كل اعماله من حسن وسيئ، ويطلب منه ان يقرأ كتابه ويعترف بذنوبه، كما تخبرنا سورة الاسراء، الآية 13: ” وكل انسان الزمناه طيره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباَ يلقاه منشوراً، أقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً”. ولكن كيف يقرأ هذا الانسان كتابه وتخبرنا نفس السورة في الآية 97: ” ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عُمياً وبكماً وصُماً مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيراً”. وكذلك تخبرنا سورة طه في الآية 124: ” ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة اعمى”. وهل يستطيع الاعمى ان يقرأ؟

۞ ويوم القيامة يوم يحشرهم الله عُمياً صُماً، يجعلهم كذلك بُكماً لا ينطقون، وهذه سورة المرسلات تؤكد ذلك في الآية 34 وما بعدها: ” ويل يومئذ للمكذبين، هذا يوم لا ينطقون، ولا يُوذن لهم فيعتذرون”. وسورة يس، الآية 65 كذلك تؤكد هذا: ” اليوم نختم على افواههم وتكلمنا ايديهم وتشهد ارجلهم بما كانوا يكسبون”. فنحن نرى هنا، بلا ادنى شك، انهم لا يستطيعون، ولا يُسمح لهم بالكلام يوم القيامة لان الله قد ختم على افواههم، وعليه تتكلم جلودهم وارجلهم وايديهم التي ليس لها لسان وتشهد عليهم بما صنعوا. وقد يسأل الانسان كيف علم الجلد ماذا صنع صاحبه في الحياة الدنيا، والجلد لا يسمع ولا يرى؟ وبالتالي لا يستطيع أن يشهد على صاحبه لان الانسان أو الجلد لا تُقبل شهادته إن كان قد سمع ما يقول من شخصٍ أو شئ آخر، ولم يره بنفسه.

۞ واذا تركنا هذا وركزنا علي جهنم التي يكون الجن والانس خالدين فيها الى ما شاء الله، نجد سورة هود في الآية 105 وما بعدها تقول: ” يوم يأت لا تكّلم نفس الا بأذنه فمنهم شقي وسعيد، فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق، خالدين فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء الله ربك ان ربك فعال لما يريد”. ولا نفهم هنا كيف يكونوا خالدين في النار مادامت السموات والارض، ونحن نعلم انه عندما يصيح جبريل ليوم الحساب ويخرج الناس من قبورهم، تُطوى السماء كطي السجل وتصير الارض والجبال كالعهن المنفوش. فلا الارض ولا السماء دائمة بعد يوم النشور، وعليه لن يمكث الجن والانس في النار طويلاً اذا لم تدم الارض والسماء. ويقول القرطبي في تفسير هذه ألآية: ( وأختلفوا في تأويلها: فقالت طائفة منهم الضحاك: المعنى ما دامت سموات الجنة والنار وأرضيهما، والسماء هو كل ما علاك فأظلك، وألارض ما استقر عليه قدمك).

هذه محاولة يائسة من القرطبى للخروج من هذا المأزق. فلم يخبرنا الله أن الجنة والنار لهما سموات وارض، بل قال جنة عرضها السموات والارض. وقوله ان السماء هو كل ما علاك واظلك، قول خاطئ لان الله قال ” السماء بنيناها بأيد”، والبناء لا يكون للهواء والفراغ، والسماء لا تظلنا خاصة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية حيث الشمس تسطع على الرؤوس طوال اليوم. واذا تتبعنا هذا المنطق نستطيع أن نقول أن الشجرة سماء، لأنها تعلونا وإذا وقفنا تحتها فهي تظلنا من الشمس، ولكن الله لم يبن الشجرة بأيدٍ لاننا نراها تنمو من حبة صغيرة على مدى سنين، وكذلك البناء الشاهق فهو يعلونا ويظلنا ولكنه ليس بسماء.

وقوله أن الارض هو كل ما استقر عليه قدمك، قول خاطئ كذلك، لأن الانسان الذي وقف ومشى فوق القمر كانت رجله تستقر على القمر، ولكن القمر ليس ألارض.
ويخبرنا القرآن ان الله سوف يطوي السماء كطي السجل يوم القيامة وسوف يجعل الارض والجبال كالعهن المنفوش، أو يدك ألارض دكاً ” كلا إذا دُكت الارض دكاً، وجاء ربك والملك صفاً صفا”. ولكن في سورة الزمر يخبرنا أن الذين يدخلون الجنة يوم القيامة سيقولون: ” وقالوا الحمد لله الذي أورثنا ألارض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين”. فإذاً الجنة ستكون على الارض وسوف يرثها الذين عملوا صالحاً، فكيف يرثون الارض وهي كالعهن المنفوش. والقرآن كذلك يخبرنا مراراً أن الجنة عرضها كعرض السموات والارض، فكيف تكون الجنة على ألارض؟

۞ ويقول القرآن في سورة التكوير، الآية الاولى ان الشمس تكور يوم القيامة، ونفهم من هذا ان الشمس قرص مسطح سوف يكور فيما بعد: ” اذا الشمس كُورت”. ولتأكيد أنهم كانوا يعتقدون ان الشمس قرص مستدير، فلينظر القارئ ماذا يقول الرسول عن الشمس:

فمما روي عن رسول الله (ص) في ذلك، ما حدثنا به محمد بن ابي منصور الاملي، حدثنا خلف بن واصل قال: حدثنا عمر بن صبح ابو نعيم البلخي، عن مقاتل بن حيان، عن عبد الرحمن بن ابزي، عن ابي ذر الغفاري قال: كنت آخذ بيد رسول الله (ص) ونحن نتماشي جميعاً نحو المغرب، وقد طفأت الشمس، فما زلنا ننظر اليها حتي غابت، قال: قلت: يارسول الله، اين تغرب؟ قال: تغرب في السماء، ثم تُرفع من سماء الي سماء حتي تُرفع الي السماء السابعه العليا، حتي تكون تحت العرش، فتخر ساجده، فتسجد معها الملائكه الموكلون بها، ثم تقول: يارب من اين تامرنى ان اطلع، امن مغربي أم من مطلعي؟ قال: فذلك قوله عز و جل: “والشمس تجري لمستقر لها” حيث تحبس تحت العرش، ” ذلك تقدير العزيز العليم” (سورة يس 38)
وواضح من هذا الحديث أنهم كانوا يعتقدون أن الشمس قرص مستدير يقف على حافته. وعندما يصل هذا القرص تحت العرش يخر ساجداً أي يقع على وجهه. فلو كانت الشمس كرةً لما قالوا سجدت لان الكرة تتدحرج ولا تقع على وجهها.
وقال ابن جرير ان التكوير جمع الشئ بعضه على بعض ومنه تكوير العمامة، فمعنى قوله : كورت” جُمع بعضها الى بعض ثم لفت فرمي بها، ولذا ذهب ضوءُها. وشرح بعضهم ” كورت”، بمعنى ذهب ضوءها كما يخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري عن ابن ابي طلحة عن ابن عباس: ” اذا الشمس كورت” يعني ذُهب بضوئها واظلمت، وقال مجاهد: اضمحلت وذهبت. وقال قتادة: ذهب ضوءها وقال الربيع بن حثيم: كورت يعني القيت. ونفهم من هذا انه لن تكون هناك شمس يوم القيامة.

ولكن دعنا ننظر الى سورة الانسان، الآية 12 وما بعدها، عندما يصف الله الجنة: ” وجزاهم بما صبروا جنةً وحريراً، متكئين فيها على الارائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً، ودانية عليهم ظلالها وذُللت قطوفها تذليلاً”. فمن اين يا تُرى جاءت الظلال اذا لم تكن هناك شمس؟