۞ عندما يقرأ الانسان القرآن، يسيطر عليه شيئان: الاول هو الخوف من نار جهنم والعذاب الذي يصفه القرآن وصفاً دقيقا ومرعباًً، والشئ الثاني هو عدم مقدرة الانسان علي تغيير مجرى الاحداث، اذ ان كل شئ مكتوب ومسطر للانسان من قبل ان يولد. فمثلاً لو اخذنا سورة الحديد، الآية 22: ” ما اصاب من مصيبةٍ في الارض ولا في انفسكم الا في كتاب من قبل ان نبرأها ان ذلك على الله يسير”. فيخبرنا الله هنا انه قد قدر كل شئ من قبل ان يبرأ او يخلق الارض ومن عليها. وكأن هذا لا يكفي، فيؤكد لنا الحديث نفس الشئ، يقول ابن كثير في تفسيره للآية: حدثنا حيوة وابن لهيعة قالا اخبرنا ابو هانئ الخولاني انه سمع ابا عبد الرحمن الحبلي يقول: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: ” قدر الله المقادير قبل ان يخلق السموات والارض بخمسين الف سنة”. ورواه مسلم في صحيحه
وهاهم الانبياء انفسهم يتحاجون ويتلاومون بما قٌدر لهم، ففي تفسير الآية 122 من سورة طه، نجد ابن كثير يقول: قال البخاري حدثنا قُتيبة حدثنا ايوب بن النجار عن يحيي بن ابي كثير عن ابي سلمة عن ابي هريرة عن النبي (ص) قال: ” حاج موسى آدم فقال له انت الذي اخرجت الناس من الجنة بذنبك واشقيتهم؟ قال آدم ياموسى انت الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه أتلومني على أمر كتبه الله قبل ان يخلقني، او قدره الله عليّ قبل ان يخلقني؟”. فحتى آدم ليس مقتنعاً أن الذنب الذي أرتكبه كان بمحض إختياره.
وحتى موضوع الايمان بالله وبرسوله ليس في ايدينا، فهذه هي الاية الثانية من سورة التغابن تخبرنا: ” هو الذي خلقكم فمنكم كافرٌ ومنكم مؤمنٌ والله بما تعملون بصير”. وشرح هذه الاية يقول: هوالخالق لكم على هذه الصفة واراد منكم ذلك فلا بد من وجود كافر ومؤمن وهو البصير بمن يستحق الهداية. اي بمعنى آخر حتى لو اردت ان تؤمن، لا يمكن لك ان تؤمن الا اذا كان الله قد قدر انك تستحق الهداية وكتب ذلك لك في اللوح المحفوظ
وهاهي الآية 13 من سورة السجدة تخبرنا لماذا لم يهدي الله الناس كلهم: ” ولو شئنا لاتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملان جهنم من الجٍنة والناس اجمعين”. وبما ان جهنم لا تمتلئ ” فنقول لها هل إمتلات فتقول هل من مزيد”، يجب ان يظل اكثر الناس كافرين حتى يملأ الله جهنم بهم لانه سبق منه القول بذلك، والله لا يخلف قوله.
ومرة اخرى يخبرنا القرآن في سورة النحل الآية 93 ان الايمان لا يكون الا بإرادة الله: ” ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون”. فهو يضل من يشاء ثم يسألهم عما كانوا يعملون. فهل يستوي هذا المنطق مع الارادة الحرة؟
ويظهر ان الله يختم على قلوب من اختارهم للكفر حتى لا يفهموا القرآن فيؤمنوا به، ففي الآية 46 من سورة الاسراء نجد: ” وجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهون وفي آذانهم وقراً واذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على ادبارهم نفوراً”. والآية 111 من سورة الانعام تقول: ” ولو انا انزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قُبلاً ما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون”. فاذاً كل محاولات الانسان الغير مسلم ان يفهم القرآن ويؤمن به لا تجدي الا اذا كان الله قد قرر مسبقاً لهذا الفرد ان يؤمن، والا سيجعل الله في آذنه وقراً وسيطبع على قلبه فلا يؤمن.
وسورة يونس، الآية 100 تكرر لنا نفس الرسالة: ” وما كان لنفسٍ ان تؤمن الا باذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون”. وفي نفس سورة يونس الآية 99، نعلم: ” ولوشاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعاً، أفانت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”. وفي سورة هود الآية 118: ” ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين”. ونحن نعلم من القرآن ان الانسان لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً وانما هو مُسيّر حسب ما قدر الله له، فالآية 49 من سورة يونس تقول: ” قل لا املك لنفسي ضراً ولا نفعاً الا ما شاء الله”.
وقد يُرسل الله الرسل بلسان قومهم ليشرحوا لهم رسالة الله، ولكن هولاء الناس لا يملكون الخيار في ان يؤمنوا او يكفروا، فالآية الرابعة من سورة ابراهيم تقول: ” وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء”.
۞رأينا مما تقدم ان الانسان ليست له ارادة ليقرر لنفسه ما يفعل، واكثر من ذلك نجد ان الاسلام يأتي في قصصه بأمثلة تؤكد ان الحساب والعقاب لا يعتمد على ما فعل الانسان وانما يمكن معاقبته بما فعل غيره. فاذا اخذنا مثلاً قصة قوم لوط، لرأينا ان الغالبية العظمى منهم لم يرتكبوا اي ذنب، فنصفهم كان نساء وحوالى الخُمس او السدس كانوا اطفالاً لا يعلمون شيئاً عن الممارسات الجنسية التي كان يمارسها بعض الرجال في المدينة، ولابد أن أغلب الرجال كانوا طبيعيين من الناحية الجنسية بدليل انهم جامعوا نساءهم وانجبوا أطفال المدينة، ونستطيع أن نقول أن عدداً غير كبير من الرجال كان منحرفاً جنسياً وأرادوا مضاجعة ضيوف لوط، ولكن لما جاء عذاب الله، محا المدينة عن الوجود بكل من فيها، المذنب والبرئ، بما فيهم الاطفال.
ويظهر ان القرارات الالهية لا تلتزم بنفس العقاب لذات الاثم، فاذا كان الله قد غضب على قوم لوط ولم يمهلهم لليوم الآخر، وهم قد ارتكبوا اثم اللواط في مدينة واحدة، فلماذا يصبر الله على الملايين الذين يمارسون اللواط الان في كل مدن وقرى المعمورة، وهم يمارسونه من قبل ظهور الاسلام وحتى يومنا هذا، ولا يخفونه كما كان يحدث في الماضي؟ بل صاروا يعقدون الجيزات للمرأة على المرأة، وللرجل على الرجل. وها نحن نقرأ في الصحف يومياً عن القساوسة الذين مارسوا الجنس مع أولاد صغار ممن ينشدون الاناشيد في الكنائس، ولا بد أن هناك مشائخ في العالم الاسلامي يفعلون نفس الشئ. فلماذا لم يعاقبهم الله كما عاقب قوم لوط؟ ولا بد أن يقول شيخ الاسلام إن الله يمهل ولا يهمل، ونقول لهم لماذا إذاً لم يُمهل الله قوم لوط؟
۞وقد سأل موسى ربه ان كان يريد ان يعاقبهم بما فعل السفهاء منهم، كما فعل بقوم لوط، في الآية 149 من سورة الانعام: ” واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلما اخذتهم الرجفة قال ربي لو شئت اهلكتهم من قبلي وأياي، أتهلكنا بما فعل السفهاء منا، ان هي الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء”. فهاهو النبي موسى الذي تكلم مع الله مباشرةً يقول له كيف تعاقبنا بما فعل السفهاء منا؟ وحتى هولاء السفهاء ما فعلوا ما فعلوه الا بعد ان فتنتهم أنت، فهي فتنتك تضل بها من تشاء.
۞ويظهر ان عمل الانسان في هذه الحياة لا يُعتمد عليه في الدخول الى الجنة او النار، وانما يعتمد كل شئ على القرار الاولي الذي اتخذه الله قبل ان يُخلق الانسان. ولنقرأ هذا الحديث النبوي لنعلم مدى صحة هذا القول: حدثنا الاعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله – وهو ابن مسعود – قال: حدثنا رسول الله (ص) وهو الصادق المصدوق ” ان احدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيُختم له بعمل اهل النار فيدخلها، وان احدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيُختم له بعمل اهل الجنة فيدخلها”. فاذاً المسالة مسالة حظ ونصيب، ليس الا.
۞ويبدو ان بعض الانبياء لا يريدون لقومهم ان يؤمنوا قبل ان يروا عذاب الله، فهذا هو موسى عندما بُعث الى فرعون وقومه، يطلب من الله ان يشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب، وهو يوم القيامة، كما نرى في الآية 88 من سورة يونس: ” وقال موسى ربنا انك اتيت فرعون وملأه زينةً واموالاً في الحياة الدنيا، ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على اموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم”. وليس غريباً ان نفس هذه ألآية موجودة في التوراة: ” وأقسى الرب قلب فرعون فلم يؤمن بموسى عندما كلمه الله”
ويبدو ان الله نفسه قد ختم على قلوب بعض الناس ومنعهم ان يؤمنوا قبل ان يريهم العذاب الاليم، كما نرى في الآية 96 وما بعدها من سورة يونس: ” ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الاليم”.