“وقال: انت حبلى وستلدين أبناً فتسمينه اسماعيل ( سمع الله) ، لان الرب سمع صراخ عنائك (11)، ويكون رجلا كحمار الوحش، يده مرفوعة على كل أنسان، ويد كل أنسان مرفوعة عليه، ويعيش في مواجهة جميع اخواته (12)”
( سفر التكوين، الاصحاح 16، ملاك الرب مخاطبا هاجر)
مقدمة
وصف الفتوحات العربية الاسلامية عند مؤرخين مسلمين وعرب:
عند ابن خلدون
هنا سيكون نص ابن خلدون.
عند ابن عبد الحكم:
ويقول ابن عبد الحكم، وهو من أقدم الاخباريين العرب لفتح مصر:” إن صاحب إخنا قدم على عمرو بن العاص فقال أخبرنا ما على أحدنا من الجزية فيصبر لها فقال عمرو وهو يشير الى ركن كنيسة لو أعطيتني من الركن الى السقف ما أخبرتك إنما أنتم خزانة لنا إن كثر علينا كثرنا عليكم وإن خفف عنا خففنا عنكم فغضب صاحب إخنا فخرج الى الروم فقدم بهم فهزمهم الله وأسر النبطي فأتي به عمرو فقال الناس اقتله فقال لا بل انطلق فجئنا بجيش آخر” (عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، فتوح مصر والمغرب، تحقيق عبد المنعم عامر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 1999، ص 238.)
من اوائل الاخبار عن ظهور الاسلام ماكتب عن اليهودي جوستوس الذي ذهب الى قرطاجة حاملا معه اخبار من فلسطين عن القلق الذي اثاره ظهور ” نبي مزيف”. كان جوستوس قد سمع عن قتل السراسنة(راجع الحاشية الاولى) من اتباع ” النبي المزيف” لأحد ضباط الحرس الامبراطوري وابتهاج اليهود لمقتله وقولهم إن النبي قد ظهر وأنه آت مع السراسنة وهو يبشر بمجئ المسيح ( المسيح اعلى من نبي في المعتقد اليهودي). ويلتقي جوستوس بعجوز ضليع بما تقوله الكتب، ويسأله عن النبي الجديد، فيرد العجوز اليهودي قائلا:” “إنه مزيف. لا يأتي الأنبياء شاهرين السيف. والحق أنهم ( البدو) يعملون لنشر الفوضى التي نراها اليوم. وأخشى ان يكون الذي يعبده المسيحيون هو المسيح الذي أرسله الله وبدلا ( من الايمان به) رحنا نستعد لاستقبال عدو المسيح”. (Hoyland-;- Seeing Islam as Others Saw it-;- p227)
خطبة بطريرك القدس Sophronius التي ارسلها في رسالة الى مجمع ديني عقد في روما، يعتقد من عام 633 او 634 ، يدعو فيها أن يتيح الله:” لاباطرتنا المحبين للمسيح عزما قويا وحازما لتحطيم كبرياء كل البرابرة، وخصوصا السراسنة الذين ظهروا فجأءة بسبب خطيانا، ودمروا كل شئ بتصميم وحشي لايطوع، وبجرأة لاتعرف التقوى ولا الايمان بالله. لذا نرجو قداستكم ، أكثر من اي وقت مضى، التوجه بتضرعات عاجلة الى المسيح حتى يتلقاها منكم برضى ويهدئ بسرعة من غلوًهم الغاضب ويعيد هذه المخلوقات الشريرة الى ماكانت عليه”.
في ديسمبر/كانون الاول من عام 634 منعت الغارات العربية المسيحيين من الحج الى بيت لحم وفي عظة الميلاد قال سوفرونيوس متأسفا من عدم القدرة على الحج لغياب السف المتقلب لحراسة طريق شجرة الحياة، حسب ماجاء في سفر التكوين، الاصحاح الثالث، الايات 22-23 وانما:” نرى سيف السراسنة البربري الجامح بكل التوحش الشيطاني. ونحن كموسى، محظور علينا دخول أرض الميعاد ومأزقنا يشبه مازق داود: هو واجه الفلسطينيين، فيما الان استولى السراسنة الذين لايؤمنون بالله على بيت لحم وقطعوا علينا الطريق إليها ويهددون بالقتل والدمار إذا غادرنا هذه المدينة المقدسة وتجرأنا على الاقتراب من بيت لحم الحبيبة”.
المثير انه في هذه الخطبة الوعظية نفسها يشير الى اسباب البلاء الذي نزل عليهم ويفسره بنفس طريقة تفسير رجال الدين الاسلامي للنوازل والمصائب: انها عقاب الهي بسبب التقصير في الواجبات الدينية. غير ان تساؤلاته ذاتها تعكس مقدار الخراب الذي حملته حملات النهب الاسلامية. يقول:” لماذا يغير البرابرة علينا؟ لماذا تهاجمنا قوات السراسنة؟ لماذا وقع الكثير من الدمار والنهب؟ لماذا تجدف الافواه الوثنية على المسيح؟ لذا هو يصرخ فينا ( بسببكم يجدف على اسمي بين الوثنيين) لهذا يجول السراسنة المنتقمون والكارهون لله، ينهبون المدن ويدمرون الحقول ويحرقون القرى ويضرمون النار في الكنائس المقدسة ويقلبون أعلى الاديرة المبجلة أسفلها ويواجهون الجيوش البيزنطية التي تندفع لصدهم ، ويكدسون الغنائم في القتل. ومجددا هاهم ينهضون..، ويطلقون أبغض التجديف على الله. ويقلدون بإلحاح وبلا وازع الشيطان قائدهم ويفوقونه في الخيلاء التي طرد بسببها من الجنة”.
كان المسيحيون في ذلك الوقت يعتقدون ان اجتياح قبائل الصحراء البدوية لبلادهم تحقيقا للنبوءة في سفر دانيال التي تقول:” إن الوحش الرابع سيخلق المملكة الرابعة على الارض، أكثر شرا من الممالك الاخرى، وستحيل كل البلدان الى صحارى”.
في مخطوطة ” الحوليات الجورجية” والتي حققها وترجمها الى الانكليزية روبرت بدروسيان (R. Bedrosian) نص يقول:” ما من احد قادر على تسجيل الكوارث التي مر المسيحيون بها بسبب السراسنة الذين كانوا يسمون في السابق (كأغرت أكناك)[العمالقة على مايبدو]. وقد ذكر التوراة أن ألسنة الكأغرت ستلعق دماء الابرياء”.
في مدن كيليكيا يرتكب الجنود المسلمون مجازر وفواحش ” حتى وسط الكنائس” ويستعبدون ” كل الشعب: الرجال والنساء والاطفال” وراحوا يعذبون الاغنياء والاعيان للكشف عن مخابئ ذهبهم، لان ” كل اعمال الطائيين هذه وغيرها عقاب من الله للمؤمنين”. نرى أن ميخائيل السرياني ينسب الى معاوية انها قال:” نحن صاعدون الى بلد ملئ بالذهب وبالثروات من كل صنف. لقد وضع الله هذه البلاد بين ايدينا بسبب آثام سكانها”. (Chronique de michel le Syrien, Edite par J.B. Chabot, tome 2, paris 1901, p 431, et Kaegi, Byzantium and the Early Islamic Conquests, p246.)
في وثيقة دونها القسيس توما (Thomas the Presbyter) تذكر محمد للمرة الاولى في مصدر غير عربي يقول:” ففي سنة 945، الدورة السبعة، يوم الجمعة الرابع من شباط/فبراير عام 634 عند الساعة التاسعة، وقعت معركة معركة بين الرومان وبين عرب محمد ( طائيي محمد/ Tayyaye Mhmt-d). فر الرومان تاركين وراءهم البطريق بريدون (Bryrdn) الذي قتله العرب. وقُتل ايضا حوالي أربعة آلاف قروي فقير من المسيحيين واليهود والسامريين. لقد مر العرب الناحية برمتها”. (Kaegi,Byzantium and the Early Islamic Conquests, p81-82)
ويذكر غايبون ان البابا ليو الرابع قاد الدفاع عن روما اثناء الغزوة العربية لشبه الجزيرة الايطالية. فقام بتنظيم الدفاع من داخل الاسوار تاركا معبدي ومدفني القديسين بولص وبطرس الواقعين خارج المدينة، معرضين للخطر. وبالفعل نهب العرب الممتلكات الثمينة من كنيسة القديس بطرس. وحاصروا أثناء تقدمهم إلى روما بلدة غايتا (Gayeta) ونهبوا فوندي (Fundi) متجنبين أسوار المدينة الكبيرة. (Gibbon, The History, pp 452-453)
في كتاب تاريخ البطاركة لصاحبه سايروس ابن المقفع (سايروس الاشمونين) والذي جمعه من وثائق الكنيسة واديرتها، هناك سرد لقصص كثيرة عن اعمال العرب الفاتحين التي حازت على كراهية خاصة بين الاقباط، والمميز ان الكتاب يسرد ايضا اعمال طيبة. للاخ الاكبر للخليفة الاموي الشهير عمر بن عبد العزيز وكان يدعى الاصبغ تميز بين الاقباط بفرضه الجزية القاسية من اجل اجبار الاقباط على الدخول في الاسلام. وأسلم على يده ” بطرس والي الصعيد وجماعة كهنة وعلمانيين لايحصون من كثرتهم” لكن الرب يسوع لم يمهله طويلا ” لبغضه للشعب المسيحي” (سايروس، تاريخ البطاركة، ص 107-108).
في حين أن” خامس الخلفاء الراشدين” عمر بن عبد العزيز قيل انه جاءه الجباة يحتجون على ان ريع مصر يتناقص لان الاقباط يهربون من الجزية بالدخول في الاسلام، بعد ان كان قد سمح بانزال الجزية عن القبطي الذي يتحول الى الاسلام، فقال الخليفة “الراشدي الخامس” ان الله ارسل محمدا نبيا وليس جابيا. هذا الخليفة وصفه سايروس قائلا أنه كان ” يعمل خيرا امام الناس وسوء أمام الله” لطرده المسيحيين المصريين من دوائر الادارة. (عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، فتوح مصر والمغرب، مصدر سابق، ص 162-163)
وتذكر لنا الانباء عن تشدد الخليفة عمر بن عبد العزيز في معاملة المسيحييين بهدف أسلمتهم. يكتب بطريرك إنطاكية اليعقوبي والمؤرح ميخائيل السرياني الذي يقول ان الخليفة بدأ في الاساءة إلى المسيحيين منذ توليه حكم الطائيين (التسمية التي كانوا يطلقونها على عموم العرب) وذلك لعلتين ، الاولى أنه أراد تأكيد الالتزام بقوانين المسلمين ، والثانية أنه سعى إلى الانتقام لإخفاق العرب في احتلال القسطنطينية. ويضيف أن عمرا عمل على حرمان المسيحيين من كل شئ لحملهم على اعتناق الاسلام. وإلى جانب الإعفاء من الضرائب على الانفس ( الجزية) لمن يعلن إسلامه ، أمر عمر بمنع المسيحيين من الشهادة أمام القضاء ضد المسلمين ومن امتطاء الخيول مسرجة ومن قرع النواقيس ومن رفع الصوت اثناء الصلاة ومن ارتداء انواع معينة من الملابس تعرف بالقبية وغيرها. ( راجع الفتوحات العربية في روايات المغلوبين، ص 249، Michel le Syrien, Chronique, pp 488-489)
وفي كتاب تاريخ مختصر الدول، يقول ان الوليد بن عبد الملك كان قد منع الكتاب النصارى من أن يكتبوا الفاتر بالرومية لكن بالعربية، وانه فتح في ولايته الأندلس وكاشغر والهند. (تاريخ كختصر الدول،ابن العبري ، ص82)
وفي المصدر السابق نجد ان الخليفة المنصور قتل 600 من الرواندية من اهل خراسان ليس لذنب جنوه سوى انهم اصبحوا يعبدون المنصور نفسه لكونه هو الذي يطعمهم.
وبعد وفاة عبد العزيز ، يعين عبد الملك ابنه عبد الله على الصلاة والخراج في مصر الذي فعل ” أفعال سوء وصنع آلات عذب بها الناس وكان كالوحش الضاري حتى أنه في أكثر اوقاته جلس على المايدة يقتلون الناس قدامه” (المصدر السابق، ص 113)
ويذكر أسد رستم في كتابه كنيسة مدينة انطاكية العظمى (ج2، ص 90-91) فيقول:” أشتد الجدل في هذه الاونة ( اواخر العصر الاموي) بين علماء المسلمين وبين الاباء المسيحيين فتخاصموا وتغالبوا في المناظرة يريد كل واحد إفحام خصمه. وتدخل بطرس متروبوليت دمشق في هذا الجدل وأيده إسطفانوس الرابع البطريرك الانطاكي، فغضب الوليد الثاني (ابن يزيد) خليفة هشام (743-744) لكرامة الاسلام والمسلمين فأمر بإسطفانوس فقطع لسانه وتوفي في السنة 744. ثم أمر ببطرس فقطع لسانه أيضا ونفي الى ” العربية السعيدة”. ونجا ثيودوروس أبو قرة أسقف حران، لعل السبب في ذلك أنه جادل النصارى من أصحاب المشيئة الواحدة والطبيعة الواحدة”.
وحتى في طريق هرب مروان بن محمد من دمشق الى المغرب، من خلال مصر، لم ينسى ان يمارس اضطهاده للمصريين الاقباط فتعرض الانبا خايل الى الإذلال امام مروان ( المصدر السابق، ص 427-428)
تفائل الاقباط خيرا بالعباسيين، حيث كانوا يعتقدون انهم جاؤا بالخلاص وان ملاك الرب ساعدهم، (المصدر السابق،379) الا انهم اصيبوا بخيبة امل عظيمة، بحيث ان ثقل الجزية والضرائب اجبرت حتى المسلمين المصريين انضموا الى الاقباط في ثورتهم على الخليفة الامين في العقدين الثاني والثالث من القرن التاسع، والذي قمعها الامين بالسيف. (المصدر السابق، 463-462)
في حوليات يوحنا من نيقوس ( حاليا قرية أبشاي، مركز تلا في المنوفية) تسرد المصائب التي جلبها العرب الى مصر القبطية. رواية يوحنا تبدأ بسرد حادثة ذبح العرب للقائد البيزنطي ثيودوسيوس وجنوده، ثم احتلال البهنسا وذبح كل الاهالي وملاحقة القائد يوحنا إلى أبويت. (Jean Eveque de Nikion, Chronique, H.Zotenberg, Avertissement, ibid, cxi,5)
وفي هذه الحوليات يجري ذكر بدايات تعاون المصريين مع الجنود العرب في هذه المرحلة. إذ يبدأ عمرو بن العاص بتجريد القادة الرومان من ممتلكاتهم ويضاعف الضرائب على الفلاحين ويأمرهم بتزويد خيوله بالعلف. ويقول يوحنا إن عمرا ارتكب مالايحصى من أعمال العنف، فدب الذكر بين سكان مصر الذين هربوا صوب الاسكندرية تاركين اموالهم وقطعانهم. وقام المسلمون بمساعدة من ” المصريين الذين تركوا أيمانهم ةتبعوا إيمان هذا المخلوق الكريه ( عمرو) بما يذكرنا بجرائم داعش لخلق الرعب. بالاستيلاء على كل ممتلكات المسيحيين الهاربين وأعلنوا ان خدم الله هم أعداء الله” ( ibid, cxiii, ibid, cxiv)
ووصل جنود عمرو بن العاص الى ناكيوس وارتكبوا هناك مجزرة ” لم يظهروا فيها رحمة لأحد” (ibid, cxiii)
ويتابع يوحنا وصف تفاصيل ” استعباد الشيطان لمصر”. (ibid, cxix)
ودفع اقتراب عمرو من الاسكندرية اثرياء المدينة الى هجرها والتوجه الى جزر الدلتا خشية خسارتهم أموالهم بسبب الجزية الباهظة. (ibid, cxx)
وبعد دخول عمرو إلى الاسكندرية لم يرتكب جنوده المزيد من المجازر وأعمال السلب ضد الكنائس، لكنه زاد الضرائب زيادة هائلة ” حتى باع المصريون أولادهم لدفع الضريبة”.. ” ولم يكن من معين. وحط الله آمالهم وسلم المسيحيين إلى اعدائهم”. (ibid, cxxi)
في ايران يروي ميخائيل السرياني ان الطائيين اجتاحوا بلاد الفرس وصعدوا جبل مردي من جهة راش عينا وقتلوا الكثير من الرهبان في ديري قيدار والبيض لانهم اعتبروهم جواسيس للفرس. (Michel le syrien, Chronique, p 419)
وعلى قلة المصادر التي تتكلم عن فترة الغزو المبكر لفارس نجد مصدر زرادشتي يقول أن العرب ” أحرقوا ونهبوا بيوت البسطاء وأملاك السادة”، (ibid, p 18)
لربما ان بيوت البسطاء غنية بالنسبة لخيم البدو الغزاة او لربما لان اصحابها زرادشتية من حيث لم يبقى للزرادشتية اثرا في البلاد التي اجتاحها العرب، والكثير منهم هربوا الى الهند.
في الفصول الستة الاخيرة من كتاب الخلق الزرادشتي المسمى البونداهيشن (Bundahishn), في الفصل الثالث والثلاثين تحت عنوان ” عن الاهوال التي اصابت إيران ألفية بعد ألفية” نجد وصفاً لانهيار السلطة السياسية وحلول العرب قائلا:” ودُمر الجيش والجند وبقيت إيران مع العرب. ونشروا ناموسهم ودينهم، وحلوا الروابط التي أنشأها القدماء وأضعفوا الدين المزدي[ المقصود الفرع الذي يشدد على عبادة الاله أهورا مزدا كإله متعال، اي المذهب الذي ساد الامبراطورية الساسانية من الديانة الزرادشتية]. وأدخلوا أستخدام غسيل المادة الملوثة (الغير طاهرة) ودفنها وأكلها. ومنذ بداية الخليقة وحتى اليوم هذا ماحل شرً أسوء من ذاك الذي جاءوا به وبسبب افعالهم الشرية اتخذ الحزن والكرب والنواح منازل ايران. وبسبب ناموسهم الأشوه وإيمانهم الآثم حل الوباء والفاقة وغيرهما من الشرور. وقد قيل في الدين القويم إن النهاية ستحل بحكمهم الملعون”. (Hoyland, seeing Islam, pp 324-325)
الملاحظ هنا ان الزرادشتيين كانوا يعتبرون العرب غير طاهرين، وينتمون الى عالم الاله أهريمان، إله الشر والظلمات، الذي خلق الكائنات الشريرة والمفسدة. في حين ان اهورا مزدا، اله الخير والنور، خلق الكائنات الطاهرة والنافعة. ومتبع هذا التصنيف ان العرب اعتادوا شرب حليب الجمال وأكل الضب، وهي من المخلوقات النجسة والتي تنقل نجاستها الى من يأكلها وفق الاعتقاد الزرادشتي. (الفتوحات العربية في رواية المغلوبين، حسام عيتاني، ص 149)
ومن مظاهر تأثم الفرس من الاحتكاك بالعرب ماذكره البلارذي في كتاب فتوح البلدان ص 235، ومنها ان القائد الربيع بن زياد، بعد حصاره مدينة زرنج في اقليم سجستان ( سيستان) فقد :” بعث إليه حاكمها أبرويز مرزبانها يستأمنه ليصالحه فأمر بجسد من أجساد القتلى فوضع له فجلس عليه واتكأ على آخر وأجلس أصحابه على أجساد القتلى، وكان الربيع آدم أفوه طويلا فلما رآه المرزبان هاله فصالحه على ألف وصيف مع كل وصيف جام من الذهب”. في تاريخ سيستان المجهول المؤلف نجد ذكر الحادثة نفسها مضافا اليها ” لانستطيع الدنو من مجلسك فهو ملوث”، واكملا المفوضات عن بعد، والربيع يعتقد انه من خوفهم، في حين هم يرون ان افعال الربيع واتباعه تدلل على انهم انجاس من اتباع الشيطان. (J. Choksy, Conflict and Cooperati on, pp 24-25)
حاشية اولى
كلمة عرب في الاصل ارامية تطلق على سكنة الصحراء ” ارابيا” في حين اطلق عدة تعابير على الغزاة القادمون من الصحراء مثل السراسنة ( حسب المؤرخين اليونانيين والبيزنطيين) والطائيون ( نسبة الى قبيلة طي) والهاجريون ( ابناء الجارية هاجر) والمهاجرون والاسماعيليون (نسل اسماعيل حسب الميثالوجيا اليهودية). سراسنة (Saracens) جاءت في الادب اليوناني ولربما تشير الى قبيلة معينة كانت تعيش في الصحراء او تحوير لفعل يسرق الذي يميز القبائل العربية، ولربما لها علاقة بكلمة سرسرية في اللهجة العراقية، او جاءت من اسم قبيلة السواركة. وفي البداية كانت تطلق على الرعاة في الشمال الغربي من شبه الجزيرة ثم اصبحت تشمل جميع الرعاة البدو. في القرن الرابع اصبحت تعني شعب من الشعوب التي تحدث عنها التوراة، اي ابناء اسماعيل، الامة التي حرمت من وعد الله لابراهيم وابناؤه..
المصدر: الفتوحات العربية في روايات المغلوبين للكاتب حسام العيتاني