۞ والمتعارف عليه بين المسلمين ان الاسلام نهى عن ممارسة السحر بدليل الحديث ” اجتنبوا الموبقات: الشرك بالله والسحر”. وكذلك في القرآن في سورة النساء الآية 51: ” الم تر الى الذين اوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت”. وبالرغم من هذا نجد اقوال واعمال النبي وبعض سور القرآن تعترف بالسحر وتتعوذ منه ومن السحرة.
ففي السيرة النبوية نجد ان السبب المذكور لنزول سورة ” الفلق” هو ان لبيد بن اعصم اليهودي سحر الرسول ودس ذلك السحر في بئر لبني زريق تسمى ” بئر ذروان”. فأعلم الله الرسول بمكان هذا السحر، فأرسل الرسول علي بن ابي طالب وعمار بن ياسر فافرغا البئر من الماء واستخرجا السحر، ورجعا به للرسول. ووجدوا السحر يتكون من مشاطة رأس واسنان مشط مربوطة بخيط فيه احدى عشرة عقدة. فأمر الرسول، وكان مريضاً بسبب هذا السحر، امر بالتعوذ بسورتي ” الفلق” و ” الناس”، ومجموع آيات السورتين احد عشرة اية. فكان كلما قرأ آية منهما انحلت عقدة ووجد خفةً، حتى انحلت العقد جميعاً وقام كأنما نشط من عقال
۞ولغة القرآن نفسها فيها شئ من السحر والطلاسم، فبعض السور تبتدئ بحروف ليس لها اي معنى معروف، فهي كالرموز التي تُستعمل في الشفرة. فهناك خمسة سور تبتدئ ب ” الف، لام، ر” وسورة واحدة، سورة الرعد، تبتدئ ب ” الف، لام، ميم، ر” وسورة مريم تبتدئ ب ” كاف، هاء، ياء، عين، صاد”، وسورتين بدايتهما ” طاء، سين، ميم” وسورة النمل، بينهما، تبتدئ ب ” طاء، سين”، وستة سور تبتدئ ب ” حاء، ميم”، وسورة الشورى تبتدي ب ” حاء، ميم، عين، سين، قاف”. وسورة الاعراف تبتدئ ب ” الف، لام، ميم، صاد” وهناك سور تبتدئ بحرف واحد مثل سورة قاف و سورة ص، وبعض السور تبتدئ بحرفين مثل طه ويس. وباختصار هناك تسع وعشرون سورة تبتدئ بالغاز لا يفهم معناها احد.
وقد ذهب بعض المستشرقين ( هيرشفيلد) الى القول بانها الحروف الاولى من اسماء اشخاص ساعدوا زيد بن ثابت في كتابة القرآن، وذهب آخرون الى انها محاولة للايعاز للعرب الذين كانوا وما زالوا يؤمنون بالسحر وبالكهان الذين كانوا يستعملون الالغاز في طلاسمهم، بأن القرآن ليس من عند محمد بدليل ان فيه الغاز لا يفهمها حتى محمد نفسه. وعلى كل حال، هذه الالغاز لا تخدم غرضاً منطقياً اذ ان القرآن نزل ليوصل للناس رسالة معينة، ونزل بلسانهم، فما الفائدة من انزال رموز لا يفهمها الناس المخاطبون بها؟
۞والقرآن مولع بالقَسَمْ في بداية السور، مثله في ذلك مثل الكهان الذين كانوا يستعملون القسم في كل أقوالهم ليوهموا السامع بانهم قادرون على كل شئ لدرجة أنهم يقسمون ان الشئ المطلوب سوف يحدث. فهناك سبع عشرة سورة في اولها قسم. فيقسم الله بالتين والزيتون، ويقسم بالنجم اذا هوى، وكذلك بالسماء ذات البروج، وبالضحى، وبالفجر وما الى ذلك. وهناك قسم كذلك في منتصف السور. فنجد الآية 16 وما بعدها، في منتصف سورة الانشقاق، كلها قسم: ” فلا اقسم بالشفق. والليل وما وسق. والقمر اذا اتسق. لتركبن طبقاً عن طبق”. فما اهمية الشفق حتى يقسم به الله؟ ولماذا استعمال الغريب من اللفظ للتعبير عن شئ بسيط؟ فأستعمال كلمة ” وسق” مع الليل، لتعني الليل وما جمع، واستعمال كلمة ” اتسق” مع القمر لتعني ” اكتمل”، لا يخدم غرضاً ولم يكن ضرورياً لولا مجاراة السجع والاعجاب بغريب اللفظ.
وهناك من القسم ماهو غير مفهوم اطلاقاً، فمثلاً:
” والصافات صفا، فالزاجرات زجرا، فالتاليات ذكرا”
” والذاريات ذرواً، فالحاملات وقرأً، فالجاريات يسراً، فالمقسمات أمراً”
” والمرسلات عرفاً، فالعاصفات عصفاً، والناشرات نشراً، فالفارقات فرقاً”
والسؤال الذي يطرأ على الذهن هو: لماذا احتاج الله ان يقسم لعبيده، وكلنا عبيد الله. وهل يحتاج السيد لان يقسم لعبيده ليصدقوه؟ وفي رأيي ان القرآن، مرة اخرى، يحاول ان يجاري الجاهليين في عاداتهم، ومنها القسم المتكرر. فالجاهليون كانوا مولعين بالقسم في كلامهم، فكانوا دائماُ يقولون: تالله لافعلن هذا، ووالله لاضربن عنقك، وهكذا.
وكل اشكال القسم في القرآن ادخلت المفسرين في مأزق عندما حاولوا تفسيرها، فأغلبها يبتدئ ب “لا”: ” لا اقسم بيوم القيامة” و ” لا اقسم بالشفق” و” ولا أقسم بالخنس”. فالمفسرون قالوا ان ” لا” زائدة، واراد الله ان يقول: ” اقسم بيوم القيامة”. وهذا خطأ لان الله ما كان ليحتاج ان يدخل “لا” زائدة في كل مرة يقسم فيها. لو حصلت مرةً واحدة لفهمناها، أما ان تحدث في كل مرة يقسم فيها فأمرٌ غير مستساق. ولو تنبه المفسرون الى ان في الفترة التي جُمع فيها القرآن، لم تكن هناك علامات ترقيم في اللغة العربية، وان الآية كانت : ” لأقسم” واللام هنا للتاكيد، مثل ان نقول ” لأفعلن كذا”، ولكن لانها كُتبت بغير الهمزة على الالف، قُرئت ” لا” فصارت لا اقسم بدل لأقسم.